عبدالعظيم الأنصاري
«وقال رجال إسرائيل لجدعون: تسلط علينا أنت وابنك وابن ابنك، لأنك قد خلصتنا من يد مديان»،
هكذا وجّه بنو إسرائيل كلامهم لجدعون بن يوآش، أو "يربعل" البطل اليهودي الذي انتصر على
المديانيين أبناء النبي إبراهيم من قطورة، وجاء النص السابق في سفر القضاة الإصحاح الثامن
من التوارة الحالية.
بالتأكيد يطمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يسمع نفس العبارة من الإسرائيليين
بعد انتصاره على المقاومة الفلسطينية في غزة، وهذا هو السبب وراء إطلاقه عملية
"عربات جدعون" العسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة، بهدف تدمير البنية التحتية
لحركة حماس، واستعادة الرهائن الإسرائيليين.
المتتبع لسير الأحداث يرى أن الهدفين المُعلنين للعملية هما نفس الهدفين المُعلنين
للجيش الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، أي منذ أكثر من عام ونصف
العام من المحاولات الفاشلة، محاولات من الجيش الإسرائيلي القوي، المدعوم
من قوى الحلفاء من العرب قبل الغرب، للتغلب على بضع عشرات الآلاف من
المقاتلين المسلحين بأسلحة بدائية مقارنة بقدرات جيوش نووية مدعومة بحاملات
الطائرات وأحدث التقنيات العسكرية والجاسوسية العالمية، فما بالنا إذ تسلّم هؤلاء
المقاتلون أسلحة متقدمة مثل الطائرات المقاتلة أو المسيرات أو الدبابات والمدرعات
كيف سيكون وضع الجيش الإسرائيلي بل الكيان الإسرائيلي ومن وراءه من الأساس؟
اتُخذ قرار إطلاق "عربات جدعون" يوم 4 مايو 2025، لكنها أُطلقت فعليًا
يوم 16 من نفس الشهر، بعد انتهاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من جولته
الخليجية التي زار أثنائها السعودية وقطر والإمارات، وأطلق عددًا من القرارات
والتصريحات التي كانت بمثابة مسامير على درب عربات جدعون، أبرزها
قراره برفع العقوبات عن سوريا، ولقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع،
فإن دارت أنباء وتحليلات حول مساعٍ للتقريب بين سوريا الجديدة،
والكيان الصهيوني، وانضمام الأولى إلى قاطعة اتفاقيات إبراهيم للسلام،
فإن ذلك يبدو مزعجًا بالنسبة لنتنياهو الذي يرى السيناريو المثالي في
سوريا تُمزقها الفوضى، وتُقسمها الطوائف، وليس في سوريا موحدة
وإن كانت مُطبّعة.
بينما أنبأت تصريحات للرئيس الأمريكي عن ميله إلى إيجاد حل سلمي سريع،
ووقف إطلاق النار في غزة، خاصة عندما قال إن الناس يتضورون جوعًا في غزة،
وأصر على أن الولايات المتحدة ستعالج الأزمة الإنسانية المتفاقمة، كما ألمح إلى
مشروعه الخيالي السابق بشأن تحويل غزة إلى منطقة حرة.
من جهتها أوضحت حركة حماس، أن ترامب قد اتفق معها على فك الحصار،
وإدخال المساعدات مقابل الإفراج عن عيدان ألكسندر، ثم أخلف وعده كالعادة.
فيما أشار المحلل العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هاريل إلى أن ترامب
يضع عائقًا في عجلات عربات جدعون التي يقودها نتنياهو في غزة،
لافتًا إلى أن احتمالات وقف القتال تعتمد بشكل رئيسي على ترامب
والأمل في استمرار اهتمامه بالأحداث في غزة، موضحًا
أن الرجل يتحدث إلى وسائل الإعلام يوميًا وأحيانًا عدة مرات،
وتكمن المشكلة في فرز الكم الهائل من تصريحاته المتناقضة أحيانًا،
لفصل الغث عن السمين، ومحاولة التأكد من نواياه مع العلم أنها
قد تتغير من يوم لآخر.
في الحقيقة وأيًا كان اتجاه عربات جدعون أو عربات ترامب،
فإن المسألة تكمن في إرادة المقاومة وقدرتها على الصمود أمام آلة
الدمار الصهيوغربية، وأيًا كانت النتيجة فحتى الآن ما تحقق هو
بالنسبة لمجموعة المجاهدين الفلسطينيين البسطاء يُعد نصرًا أسطوريًا
إعجازيًا بكل المقاييس المادية العسكرية والاقتصادية وحتى البشرية،
ومربط الفرس لا يكمن في الأسرى، ولا يكمن في استمرار القتال
الذي يُعد حرب استنزاف طويلة الأمد بالنسبة للكيان المنهج المفلس،
ولا يكمن حتى في خطط ترامب الخيالية، لكنه يكمن فقط في "سلاح المقاومة"،
والسلاح هنا ليس مخازن أسلحة أو مصانع صواريخ وقاذفات الياسين،
فإن نفدت كلها من يد المقاومين وظلت إرادة المقاومة فإن نتنياهو سيظل
عاجزًا على كتابة كلمة "النصر"، وليحترق قلبه تحت عجلات
عربات جدعون وعربات ترامب معًا.
تعليقات
إرسال تعليق